1- في الحضارات السابقة للإسلام :
كانت المرأة, في الحضارات القديمة تحرم من حقها في الإرث حتى لا ينتقل المال بزواج البنت من بيت الأب الى بيت الزوج, وكان ينحصر الإرث في الابن الأكبر البالغ القوي القادر على حمل السلاح والدفاع عن القبيلة.
2- في الشريعة الإسلامية :
لقد تناولت الشريعة الاسلامية مسائل التوريث بإفاضة وتفصيل وتحديد شمل جميع حالات التوارث وسببه وموانعه وترتيبه.
أ- حق المرأة في الأرث :
أعطى الإسلام المرأة الحق في إرث والديها وأقاربها وجعله نصيباً مفروضاً لها لقوله تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مماقل منه أو كثر نصيباً مفروضاً )(النساء/7).
ويرى فقهاء المسلمين أن هذه الآية تقرر قاعدة عامة في تثبيت شرعية الإرث الذي يحق للجنسين -الرجال والنساء- كما يرون فيه تشريعاً حقوقياً لسنة جديدة لم تكن مألوفة من قبل وهي توريث المرأة.
وتنحصر أسباب الإرث في الشريعة الإسلامية في ثلاثة : الزوجية والقرابة والتعصيب. وأنواعه بثلاثة أيضاً : الإرث بالفرض والإرث بالتعصيب والإرث بالرحم.
1- الإرث بالفرض :
والفرض "لغة " معناه التقدير, وقد أطلق الفقهاء على بحث المواريث " علم الفرائض " لأن أنصباء الورثة محدودة
مقطوعة. فالتوريث بالفرض يعتبر, بمثابة ميراث بالتخصيص أي أن أصحاب الفروض يأخذون فرضهم أو
حصتهم المحفوظة من التركة قبل أي وارث آخر نزولاً عند حديث الرسول الشريف : " الحقوا الفرائض بأهلها ,
فما بقي فهي لأولى رجل ذكر ".
ترث المرأة بالفرض في ثمانية حالات في حين لا يرث الرجل بالفرض إلا في أربعة حالات فقط.
وهذه الحالات التي ترث فيها المرأة بالفرض هي :
*الزوجة : ونصيبها محدد بالآية :
(ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم من بعد وصية توصون بهاأو دين)(النساء/12).
*الأم : ونصيبها محدد بالآية :
(ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكم له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له أخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين إباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعاً فريضةً من الله إن الله كان عليماً حكيماً)(النساء/11).
*البنت : فرض لها النصف إذا لم يكن معها أخ أو أخت : (وإن كانت واحدةً فلهاالنصف )(النساء/11).
*بنت الأبن : ترث بالفرض إذا لم يكن يحجبها فرع وارث أعلى منها لا من الذكور ولا من الإناث.
*الأخت الشقيقة: ترث أخاها المتوفي النصف فرضاً إن كانت واحدة أي ليس لها أخ أو أخت شقيقة وألا ترث وفق
الآية:
(وإن كان رجل يورث كلالةً أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء
في الثلث من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار وصيةً من الله والله عليم حليم)(النساء/12).
*الأخت لأب : إذا لم يكن معها أخت شقيقة للمتوفي تخضع لنفس أحكام الأخت الشقيقة.
*الجدة الصحيحة : وهي أم لأب أو أم أب الأب , أو أم الأب وكذلك أم الأم, وهي ترث بواقع السدس إن كانت
واحدة.
2- الإرث بالتعصيب :
ترث المرأة بالتعصيب إذا كانت تشترك في جهة القرابة بدرجة واحدة كالأخ مع أخته الشقيقة أو أخوته, وكبنت
الابن مع ابن مساو لها في الدرجة ولم يحجبهم من هو أقرب منهم درجة. ففي هذه الحالات ترث الأنثى نصف ما
يرثه الذكر طبقاً للقاعدة الإسلامية واستناداً إلى الآية (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين)(النساء/11).
والحالات التي ترث فيها الأنثى بالتعصيب هي : البنت، بنت الابن، الأخت لأبوين، والأخت لأب.
3- الإرث بالرحم :
يعرف الفقهاء ذوي الارحام، بالأقارب من غير أصحاب الفروض أو الأعصاب مثل:أولاد البنت,والجد غير
الصحيح(وهو أبو الأم وأبو أم الأب)والجدة غير الصحيحة وأبناء الإخوة لأم وأولاد الأخوات وبنات الأخوة.
والشريعة الإسلامية لم تورد نصاً صريحاً في تأريث ذوي الأرحام ولكن جمهور الفقهاء يرى تأريثهم بترتيبهم في الإرث، وفي حال لم يترك المتوفي أحداً من أصحاب الفروض ولا من العصبة من أقاربه.
ب- الانتقادات
على الرغم من كل هذه الحقوق المتعددة التي منحتهاالشريعة الإسلامية للمرأة في الميادين المختلفة جميعها وعلىالرغم من أن معظم هذه الحقوق لم تنلها " المرأة العالمية " اليوم في مختلف دول العالم إلا بعد جهود كبيرة ومتتابعة وظلت في أكثرها بشكل مطالب تسعى إلى تنفيذها الأمم المتحدة، فإن بعض المتحاملين على الاسلام، تذرعوا " بقاعدة الإرث " عند المسلمين التي تقول: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَيْنِ ) (النساء/11) ليوجهوا أنتقاداتهم اللاذعة فيقولون : " إن هذه القاعدة تكرس مبدأ التمييز ضد المرأة وهي تلحق بها الجور والضرر على أعتبار أن الولد يرث ضعفي ما ترثه البنت من الأبوين. ومن هذه الانتقادات ما جاء على لسان " جبريال بير " من قوله :" إن قضية الإرث ونصيب المرأة منه نصف نصيب الرجل لهو بدون شك سبب مهم بالنسبة لدونية المرأة العربية المسلمة".
وقد لقى هؤلاء المتحاملين على الأسلام، صدى ليس فقط عند غير المسلمين بل عند بعض الفئات المسلمة الجاهلة جهلاً مطبقاً لأحكام الشريعة والغاية النبيلة التي وضعت من أجلها، فطالبت هي الأخرى بتعديل هذه القاعدة حتى يتساوى نصيب الذكر و الأنثى في الميراث.
فلهؤلاء نقول :
إنّ قاعدة " التنصيف " هذه ليست قاعدة مطردة وثابتة في جميع أنصبة الإرث التي تتعلق بالنساء فهناك حالات :
1- يتساوى فيهاالذكر مع الأنثى في نصيبهما من الإرث. فقد تساوى نصيب الأب وهومذكر، مع نصيب الأم وهي أنثى في ميراث أبنهما. وكذلك يتعادل نصيب الأخ والأخت في الميراث إذا كان رجل يورث كلالة (أي ليس له والد ولا ولد). فلكل واحد منهما السدس.
2- إن قاعدة التنصيف مفروضة فقط في أنصبة الإرث وليس على مال التركة كله. إذ قد تزيد حصة الإناث على حصة الذكور في مجموع مال التركة. مثلاً : إذا توفي رجل وله زوجة وأم وثلاث بنات ومولود ذكر، فإنّ مجموع ما ترثه الإناث يفوق ما يرثه الذكر.
3- إن هذه القاعدة لا تطبق في المال الموهوب، إذ للبنت أن تتساوى مع أخيها في الهبة أي في العطاء الأبوي الممنوح وهو على قيد الحياة بل يحظر تفضيل الابن على البنت لقوله (ص) : " سووٌا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء ".
4- كذلك الأمر في الوصية وهي بتعريف الفقهاء : تمليك مضاف إلى ما بعد الموت بطريق الشرع. فإنّه يجوز للموصي أن يطبق قاعدة المساواة في الوصية بين الذكور والإناث، أو أن يراعي قاعدة التنصيف إن أراد ذلك.
5- وأخيراً إنّ قاعدة التنصيف مستثناة في الأراضي الاميرية التي يراعى فيها مبدأ التساوي بين الذكور والإناث في إنتقال الأراضي الاميرية من شخص إلى آخر.
6- الحكمة الشرعية من هذه القاعدة :
إنّ التمييز الحاصل في الميراث بين الذكور والإناث من الأولاد، لا يقصد منه أبداً " التهوين " أو التقليل من اعتبارهن كونهن " إناث " كما يدعي البعض. لأنّ هذا النصاب قد حدد من وجهة الشرع الإسلامي على أساس المهام بين أعباء الرجل الاقتصادية في الحياة العائلية، وبين أعباء المرأة. لذا يرى رجال الدين الإسلامي أن جعل نصيب المرأة في الميراث نصف نصيب الرجل " ينبغي ألا ينفك عن تحديد مسؤوليات الرجل الشرعية، مادية ومعنوية ومنها إلتزام الإنفاق على المرأة التي هي في ولايته زوجة وبنتاً، أماً أو أختاً، أو قريبة تلزمه النفقة عليها. فالتفاوت في التبعات المالية هو الذي أدى إلى تفاوت في أنصبة الميراث. والتزام الرجل بها شرعاً بلا منة ولا تمنين، هو الذي حدا بالشرع الإسلامي إلى أن يحكم للمرأة نصف نصيب الرجل في الإرث. وأنّنا لو ألقينا نظرة سريعة على وجوه وجوب الإنفاق المكلف بها الرجل شرعاً لآدركنا في نهاية المطاف أنّ المرأة هي الرابحة مادياً، لأنّ الرجل مطلوب منه شرعاً وباختصار :
1- أن يتكفل أمه وأباه، واخته وأخاه، وأقاربه الأدنى فالأدنى إن كانوا معسرين. والمرأة معفاة من هذا الواجب لقوله تعالى :
(يسئلونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وأبن السبيل )(البقرة/215)
كذلك لابد من التنويه بأنّ الشرع الإسلامي هو أول شرع قرر للمرأة حقها في الإرث منذ 1400سنة ونصف. وقد خطا خطوة كبيرة في مجال القضاء على أشكال التمييزضد المرأة، إذ منحهن الحقوق المالية أكثر بكثير مما تطمح إليه " المرأة العالمية " اليوم في تحقيق ماتصبو اليه في مجال المساواة في الحقوق المالية والاقتصادية والأسرية كماورد في المادة الثالثة عشر وفي البند " ح " من المادة السادسة عشرة من أتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وأنّ ما ترثه المرأة المسلمة تدخره لتتمكن من الإنفاق على نفسها في حال عدم زواجها، أو في حال وفاة الزوج إذا لم يترك لها ما يقوم بأودها. فيكون المال الذي ورثته بمثابة مال أحتياطي تنفقه عند الضرورة على نفسها أو على أسرتها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنّه إن قدر للمرأة أن تساعد في عملية الإنفاق بسبب ضيق حال الزوج، أو بسبب إعساره، أو بسبب أرتفاع مستوى المعيشة، أو لآي سبب أخر فإنها تقوم بعملها هذا متطوعة ومحتسبة في عملها هذا أجراً وثواباً من الله تعالى. جاء في حديث للرسول (ص) عن أم سلمة أنها قالت : " يا رسول الله، هل لي في بني أبي سلمة أجر أن أنفق عليهم، ولست بتاركتهم هكذا، ولا هكذا (أي يتفرقون في طلب القوت يميناً وشمالاً) إنا هم بني.
فقال النبي (ص) : " لك أجر ما أنفقت عليهم ".
2- أن يعول زوجه وأولاده، ويؤمن لهم المسكن والمأكل والمشرب والملبس وسائر مصاريف تكاليف الحياة المعيشية من تطبيب وتعليم وترفيه، والمرأة معفاة من ذلك.
3- أن يؤمن نفقة الزوجة إذاما طلقت حتى تنتهي مدة عدتها، وقد تمتد فترة النفقة إذا ما كانت حاملاً إلى أن تضع حملها. كما يطلب من الرجل أن يؤمن أجرة الرضاعة إذا أمتنعت الأم عن إرضاع رضيعها. والمرأة معفاة من ذلك.
يقول تعالى : (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها)(البقرة/233).
(وإن كنٌ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن )(الطلاق/6).
( وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى )(الطلاق/6).
4- أن يقدم المهر لعروسه قل أو كثر و لا تتكلف المرأة شيئاً لقوله تعالى : (وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة)(النساء/4).
إذن هذه الأعباء المالية الملقاة على عاتق الرجل شرعاً، هي التي أدت الى هذا التفاوت في أنصبة الإرث بينه وبين المرأة.
وعليه يمكن القول بأنّ الرجل والمرأة متعاكسان في الملك والمصروف، فليس هناك من غبن أو ظلم- كما يتوهم المغرضون - في قضية الميراث عند المسلمين بتطبيق قاعدة التنصيف. ومقارنة سريعة وبسيطة بين ما يمكن أن تملكه النساء المسلمات عن طريق الإرث وما يمكن أن تحصل عليه النساء غير المسلمات في العالم من أموال معتمدين على ماجاء في تقرير برنامج " خطة العمل العالمية للنصف الثاني من عقد الأمم المتحدة للمرأة العالمية عام 1980"لأدركنا بطلان التعرض لهذه القاعدة موضوع الانتقادات.
يقول التقرير:"فبينما تمثل المرأة50%من سكان العالم الراشدين وثلث قوة العمل الرسمية،فإنها تعمل تقريباً ثلثي ساعات العمل ولا تتلقى إلا عشر الدخل العالمي،وتمتلك أقل من واحد بالمائة من الممتلكات في العالم ".
بينما مقدار أو نسبة ما تملكه المرأة المسلمة عن طريق الإرث يمثل 33.33 بالمائة رغم قاعدة التنصيف. فالدعوة إلى تغير"قاعدة التنصيف"في قضية الإرث دعوة لا يمكن أن تعطي ثماراً مقنعة للداعين لها، هذافضلاً عن أنها حكم شرعي إلهي لا يقبل التعديل ولا التبديل ومن أعلم بمصلحة الخلق إلا هو سبحانه وتعالى؟.
5- رأي المنصفين بنظام التوريث عند الإسلام :
جاء على لسان " أنا بيزنت " في كتابها : " الآديان المنتشرة في الهند " ما يلي : " إن قاعدة الإرث في الإسلام للمرأة، أكثر عدلاً وأوسع حرية من ناحية الاستقلال الذي يمنحه إياه القانون المسيحي الإنكليزي. وما سنه الإسلام للمرأة يعتبر قانوناً نموذجاً إذ تكفل بحمايتها في كل ماتملكه عن أقاربها أو زوجها أو أبيها ".
كما جاء على لسان " غوستاف لوبون " في هذا الموضوع ما يلي :
" منح القرآن المرأة حقوقاً إرثية بأحسن مما في قوانيننا الأوروبية. وإن قوانين الميراث التي نص عليها القرآن على جانب كبير من العدل والأنصاف. وأنّ الشريعة الإسلامية منحت الزوجان حقوقاً في المواريث لا نجد مثلها في قوانيننا ".
المصدر: كتاب حقوق المرأة بين الشرع الإسلامي والشرعة العالمية لحقوق الإنسان