الشهادة فريضة شرعية وضرورة اجتماعية ولا يجوز أخذ العوض للإدلاء بها
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الشهادة فريضة شرعية وضرورة اجتماعية ولا يجوز أخذ العوض للإدلاء بها
◄ دُعيت لأداء شهادة حق في قضية مرفوعة، من أخ على أخيه فهل يجوز لى الإنكار أو التمويه أو الامتناع حتى لا يُحكم على الأخ، أم أنه يجب تأدية الشهادة بالحق مهما كانت النتيجة؟
► الحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه وبعد فلا يجوز الإنكار ولا الامتناع عن أداء الشهادة لأن تبين الحق موقوف على أدائها وثَمَّة في الوحي المعصوم تحذير شديد من كتمان الشهادة والحث على أدائها على وجهها الصحيح بما لا يصح معه مصانعة أحد في تركها وعدم القيام بأدائها. وذلك النحو الآني تعالوا نر ما يقول تعالى ورسوله — صلوات الله وسلامه عليه — في الشهادة. ثمَّة عدة آيات من كتاب الله تعالى وعدة أحاديث صحيحة. وهاكها فى التفريعات الآتية:
الأدلَّة من القرآن الكريم على وجوب أداء الشهادة بالحق وتحريم كتمان الشهادة قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً" هذه الآية الكريمة في سورة النساء ثالثة السبع الطوال وقد أتي الأمر فيها "كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ" " قَوَّامِينَ" قَوَّام صيغة مبالغة على وزن فعال أي كثير القيام بِالْقِسْطِ أي بالعدل ثم يقول تعالى " شُهَدَاء لِلّهِ" وفي رابعة السبع الطوال المائدة يقول تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وهنا جاء النص "كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ" في النساء "" شُهَدَاء لِلّهِ" وفي المائدة " قَوَّامِينَ لِلّهِ"
في النساء" قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ" وفي المائدة" شُهَدَاء بِالْقِسْطِ"
فالقيام يجب أن يكون بالقسط والشهادة يجب أن تكون بالقسط، والقيام يجب أن يكون لله والشهادة يجب أن تكون لله بدليل الآية الثالثة يقول تعالى{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ]} وهنا يقول "وَأَقِيمُوا الشهادة" فأشعر ذلك أهمية إقامة الشهادة وأنها يجب أن تُؤدي لله لا لعوض ولا لمقابل وإنما لله تعالى وحده فهي عبادة، والعبادات لا يجوز أخذ العوض لإقامتها، ولا لإضاعتها، وإنما لله تعالى، ولله تعالى فقط قال تعالى " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ " وكما تُقام الصلاة لله تعالى بلا رياء ولا شائبة تحبط ثوابها، وتُضيِّع أجرها فكذا الشهادة ينبغي أن تُؤدي لله تعالى، والآية الرابعة جاءت في أوصاف المُكْرمين في الجنة قال تعالى في المعارج " إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً *إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً *وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ *" فيُذكر في أوصاف هؤلاء المكرمين في الجنة إلى جانب إدامتهم الصلاة، ومحافظتهم عليها، يأتي قوله تعالى " وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ" وذلك لتخرج بهذه الحقيقة أن القيام بالشهادة على وجهها لا يقل أهمية عن باقي الفروض المذكورة بجانبها وعليه فالمسلم لا يخلو حاله من أن يكون قائما بالشهادة عادلا في وقت من الأوقات،
ويقول تعالى:"{وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} فالامتناع عن الإدلاء بالشهادة منهي عنه بهذه الآية الكريمة التي تدل على وجوب تحمل الشهادة على من دُعي إليها وعلى وجوب تأديتها لمن طُلب تأديتها، وذلك من خلال إجراءات رفع القضية أمام المحاكم، وتحديد موعد ومقر لنظر القاضي في القضية، للفصل بين الخصوم، وإحقاق الحق، وإبطال الباطل، وردع الظالم ونصفة المظلوم، فتلك هي الدعوة لأداء الشهادة على وجهها قَالَ تَعَالَى: "وَأقِيمُوا الشَّهَادَة لله ذَلِكُم يوعظ بِهِ من كَانَ يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر".
◄ لماذا اعتبر الاسلام الامتناع عن الشهادة إثما وهو أمر يراه البعض شخصيا؟
► اداء الشهادة ليس امرا للانسان حرية اختياره او تركه فمن يمتنع عن الشهادة آثم قلبه بنص الآية.
ومعنى آثم قلبه: أي فاجر قلبه، ونهيه تعالى في قوله: {وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ} يحرم بموجبه كتمان الشهادة، وإثم القلب يؤدي إلى انحراف البدن، لقول النبي — صلوات الله وسلامه عليه — " إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب "
قال الزمخشري: "فإن قلت: هلا اقتصر على قوله آثم؟ وما فائدة ذكر القلب، والجملة هي الآثمة لا القلب وحده؟ قلت: كتمان الشهادة هي أن يضمرها ولا يتكلم بها، فلما كان إثمًا مقترفا بالقلب أسند إليه؛ لأن إسناد الفعل إلى الجارحة التي يُعمل بها أبلغ، ألا تراك تقول إذا أردت التوكيد: هذا مما أبصرته عيني، ومما سمعته أذني ومما عرفه قلبي".
وأيضا: إضافة الإثم إلى القلب الذي هو أشرف أعضاء البدن ورئيسها تأكيد في تأكيد، لأن القلب محل اكتساب الآثام والأجور والآلة التي وقع بها أداؤها لما عرف أن إسناد الفعل إلى محله أقوى من الإسناد إلى كله، ولأنه هو محل الكتمان فهو محل المعصية بتمامها هنا، بخلاف سائر المعاصي التي تتعلق بالأعضاء الظاهرة فإنها وإن كانت مسبوقة بمعصية القلب وهو الهم المتصل بالفعل فليس هو محلا لتمامها.
وثالثا: إنما خص القلب، لأنه قد تمكن الإثم في أصله، وملك أشرف شيء منه، ولأن أفعال القلوب أعظم من سائر الجوارح، فأصل الحسنات والسيئات الإيمان والكفر وهما من أفعال القلوب، فإذا جعل كتمان الشهادة من آثام القلوب، كان من أعظم الذنوب. والآيتان: فيهما نهي عن كتمان الشهادة بعدم الإدلاء بها والغياب عن موعد ومكان نظر القضية "وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ]"} وهذا مما يدل على الوجوب ويحرم بموجب هاتين الآيتين الكريمتين كتمان الشهادة بالامتناع عن أدائها، وحرمان المظلوم — من الخصمين — من المظاهرة والتأييد والنصرة والمكاثرة في مواجهة الظالم الباغي الذي استضعفه وبغى عليه وتلك جريمة كبرى لِمَا يترتب عليها من تضليل الحقيقة، وتمكين الباغي من الإفلات من قبضة العدالة، والتسبب في ضياع الحق والحقيقة.
◄ هل كتمان الشهادة من الكبائر؟
► يقول سبحانه: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ" هذه الآية الكريمة يعتبر الممتنع عن الإدلاء بالشهادة كاتما لها قد أتي بابا من أبواب الكبائر
وقال تعالى "ستكتب شَهَادَتهم ويُسألون" دالة على الوعيد على كتمان الشهادة وأن ذلك محل مساءلة بين يدي الله تعالى، كما أن أداءها محل سؤال ومراجعة ومحاسبة ستُسأل عنها بين يدي الله تعالى يوم القيامة. وقال جلَّ مذكورا وعزَّ مرادا بعدما نهى عن كتم الشهادة في آية البقرة "وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ" قال بعدها "لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". ألا فليعلم المسلم — يقينا — أن الله تعالى يكره الآثام ما ظهر منها وما بطن. وهناك رذائل وآثام لا يطلع عليها الناس كالحسد والرياء والكبر، يؤاخذ الله عليها وإن كانت مخبوءة — عن الناس — فى ضمير صاحبها، ومنها كتمان الشهادة فإن ذلك يُضلِّل القضاء ويُضيِّع العدالة فتلك جريمة وإن لم يطلع عليها الناس — إلا من خلال آثارها —، وبهذا فسر بعض العلماء قوله تعالى: "وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" وقالوا: إنه جاء بعد النهى عن كتمان الشهادة فى سياق القرآن الكريم وممن قال بذلك ابْن عَبَّاسٍ وعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ أَنَّ هَذه الآية نَزَلَتْ فِي كِتْمَانِ الشَّهَادَةِ، وَكِتْمَانُ الشَّهَادَةِ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْوَاجِب لهذه الآيات الكريمة كان الإدلاء بالشهادة، والمساهمة في تبصير عدالة المحكمة بمقاطع العدل، ومفاصل الحق بإيجابية فريضة شرعية، وضرورة اجتماعية حتى لا يبغي أحد على أحد، هذه شهادة والشهادة يجب على من هي عنده أداؤها لله سبحانه وتعالى، لا لأجل مطمع دنيوي، وإنما يُؤديها بدون مقابل، وبدون أخذ عوض؛ لأن هذه عبادة أمر الله تعالى بها في قوله: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } كما الشأن في الصلاة قال تعالى: "وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ". والله أعلم.
(( منقول للامانة العلمية ))