بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
نور الطاعة ...وسعادة الدارين
فعلي قدر عملك في الدنيا يكون الخير والبشر والسعادة وراحة البال والطمأنينة والفوز في الدنيا والآخرة {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاء عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} (الحديد :19)
ومن أعظم هذه الأعمال التي تجلب السعادة والراحة وصفاء النفس وهدوء الأعصاب التوبة الصادقة النصوح توبة الندم والدموع
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التحريم :
هذا هو طريق الخير والسعادة ، التوبة النصوح ،توبة تنصح القلب وتخلِّصه وتصفِّيه من كل شائبة ، ثم لا تدع فيه غشا ولا خديعة .
توبة عن كل ما يغضب الله وإذا ما رضي الله فثم الرضا والسعادة ، توبة أولها ندم على ما سلف وكان ، وثانيها الإقلاع عن المعاصي والآثام ،وثالثها دوام الاستغفار ، ورابعها العمل الصالح والطاعة والتزام منهج القرآن . فهي بهذه الصورة تنصح القلب فتخلِّصه من رواسب المعاصي وعكارها؛ وتحضه على العمل الصالح بعدها . فهذه هي التوبة النصوح .
فإذا ما حققنا هذه الصورة والتزمنا بهذه التوبة فنرجوا الله أن يكفر بها السيئات . وأن يدخلنا الجنات . في يوم يخزي الله فيه أهل معصيته وينعم علي أهل طاعته . ولا يخزي الله نبيه والذين آمنوا معه .
وتأمل معي مدي التكريم والتعظيم أن يضم الله المؤمنين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيجعلهم معه زمرة واحدة يكرمون بتكريمه ويعظمون بتعظيمه . ثم يجعل لهم نوراً { يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ } . نوراً يتميزون به في ذلك اليوم العصيب عن المنافقين وأهل المعاصي والشهوات. ونوراً يهتدون به في الزحام نورا ييسر عليهم مرور الصراط كالبرق الخاطف . ونوراً يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يبصرون به طريق الجنة في نهاية المطاف!
وهم في هذه الأهوال يلهجون بالدعاء الصالح بين يدي الله: { يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ومن رحمة الله بهم أن يلهمهم هذا الدعاء في هذا الموقف الذي تخرص الألسنة وترجف القلوب ، هو علامة الاستجابة . فما ألهمهم الله هذا الدعاء إلا لأنه قدر لهم الإجابة فأي سعادة هذه ؟!
وسعة في الرزق:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} (الأعراف :96)
بركات السماء بالمطر ، وبركات الأرض بالنبات والثمار ، وكثرة المواشي والأنعام ، وحصول الأمن والسلامة ، وذلك لأن السماء تجري مجرى الأب ، والأرض تجري مجرى الأم ، ومنها يحصل جميع المنافع والخيرات بخلق الله تعالى وتدبيره .الرازي
يقول صاحب الظلال : إن الإيمان بالله ، وتقواه ، ليؤهلان لفيض من بركات السماء والأرض . وعدا من الله . ومن أوفى بعهده من الله؟ بركات مفتوحة بلا حساب . من فوقهم ومن تحت أرجلهم . والتعبير القرآني بعمومه وشموله يلقي ظلال الفيض الغامر ، الذي لا يتخصص بما يعهده البشر من الأرزاق والأقوات . .
ونحن - المؤمنين بالله - نتلقى هذا الوعد بقلب المؤمن ، فنصدقه ابتداء ، لا نسأل عن علله وأسبابه؛ ولا نتردد لحظة في توقع مدلوله . . نحن نؤمن بالله - بالغيب - ونصدق بوعده بمقتضى هذا الإيمان . . ثم ننظر إلى وعد الله نظرة التدبر - كما يأمرنا إيماننا كذلك - فنجد علته وسببه! وهذه كذلك من مؤهلات النجاح في الحياة الواقعية .
وحين تسير الحياة متناسقة بين الدوافع والكوابح ، عاملة في الأرض ، متطلعة إلى السماء ، متحررة من الهوى والطغيان البشري ، عابدة خاشعة لله . . تسير سيرة صالحة منتجة تستحق مدد الله بعد رضاه ، فلا جرم تحفها البركة ، ويعمها الخير ، ويظلها الفلاح . . والمسألة - من هذا الجانب - مسألة واقع منظور - إلى جانب لطف الله المستور - واقع له علله وأسبابه الظاهرة ، إلى جانب قدر الله الغيبي الموعود . .
والبركات التي يَعِدُ الله بها الذين يؤمنون ويتقون ، في توكيد ويقين ، ألوان شتى لا يفصلها النص ولا يحددها وإيحاء النص القرآني يصور الفيض الهابط من كل مكان ، النابع من كل مكان ، بلا تحديد ولا تفصيل ولا بيان . فهي البركات بكل أنواعها وألوانها ، وبكل صورها وأشكالها ، ما يعهده الناس وما يتخيلونه ، وما لم يتهيأ لهم في واقع ولا خيال!
والذين يتصورون الإيمان بالله وتقواه مسألة تعبدية بحتة ، لا صلة لها بواقع الناس في الأرض ، لا يعرفون الإيمان ولا يعرفون الحياة! وما أجدرهم أن ينظروا هذه الصلة قائمة يشهد بها الله - سبحانه - وكفى بالله شهيداً . ويحققها النظر بأسبابها التي يعرفها الناس :
ولقد ينظر بعض الناس فيرى أمماً - يقولون : إنهم مسلمون - مضيقاً عليهم في الرزق ، لا يجدون إلا الجدب والمحق! . . ويرى أمماً لا يؤمنون ولا يتقون ، مفتوحاً عليهم في الرزق والقوة والنفوذ . . فيتساءل : وأين إذن هي السنة التي لا تتخلف؟
ولكن هذا وذلك وهم تخيله ظواهر الأحوال!
إن أولئك الذين يقولون : إنهم مسلمون . . لا مؤمنون ولا متقون! إنهم لا يخلصون عبوديتهم لله ، ولا يحققون في واقعهم شهادة أن لا إله إلا الله! إنهم يسلمون رقابهم لعبيد منهم ، يتألهون عليهم ، ويشرعون لهم - سواء القوانين أو القيم والتقاليد - وما أولئك بالمؤمنين . فالمؤمن لا يدع عبداً من العبيد يتأله عليه ، ولا يجعل عبداً من العبيد ربه الذي يصرف حياته بشرعه وأمره . . ويوم كان أسلاف هؤلاء الذين يزعمون الإيمان مسلمين حقاً . دانت لهم الدنيا ، وفاضت عليهم بركات من السماء والأرض ، وتحقق لهم وعد الله .
فأما أولئك المفتوح عليهم في الرزق .
فهذه هي السنة : {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} (الأعراف :95)! فهو الابتلاء بالنعمة. وهو أخطر من الابتلاء بالشدة . . وفرق بينه وبين البركات التي يعدها الله من يؤمنون ويتقون . فالبركة قد تكون مع القليل إذا أحسن الانتفاع به ، وكان معه الصلاح والأمن والرضى والارتياح . . وكم من أمة غنية قوية ولكنها تعيش في شقوة ، مهددة في أمنها ، مقطعة الأواصر بينها ، يسود الناس فيها القلق وينتظرها الانحلال . فهي قوة بلا أمن . وهو متاع بلا رضى . وهي وفرة بلا صلاح . وهو حاضر زاهٍ يترقبه مستقبل نكد . وهو الابتلاء الذي يعقبه النكال .
إن البركات الحاصلة مع الإيمان والتقوى ، بركات في الأشياء ، وبركات في النفوس ، وبركات في المشاعر ، وبركات في طيبات الحياة . . بركات تنمي الحياة وترفعها في آن . وليست مجرد وفرة مع الشقوة والتردي والانحلال .في ظلال القرآن
وما معنى البركة؟ . البركة هي أن يعطي الموجودُ فوق ما يتطلبه حجمه؛ كواحد مرتبه قليل ونجده يعيش هو وأولاده في رضا وسعادة ، ودون ضيق ، فنتساءل : كيف يعيش؟ ويجيبك : إنها البركة . وللبركة تفسير كوني لأن الناس دائماً - كما قلنا سابقاً - ينظرون في وارداتهم إلى رزق الإِيجاب ، ويغفلون رزق السلب . رزق الإِيجاب أن يجعل سبحانه دخلك آلاف الجنيهات ولكنك قد تحتاج إلى أضعافهم ، ورزق السلب يجعل دخلك قليلا ويسلب عنك مصارف كثيرة ، كأن يمنحك العافية فلا تحتاج إلى أجر طبيب أو نفقة علاج وكأن يبارك في أولادك فلا يحتاجون إلي دروس خصوصية و ...... تفسير الشعراوي بتصريف
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيم * ِوَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ} (المائدة :65-66)
إن تطبيق شرع الله والتزام منهجه واتباع سنة نبيه تكفير للسيئات وفوز بالسعادة ودخول لجنة الفردوس في الدنيا قبل الآخرة
يتبع ان شاء الله.....